الرجفان الأذيني: أسبابه وأعراضه وطرق العلاج لتجنب السكتة الدماغية
يُعتبر الرجفان الأذيني أحد أكثر اضطرابات نظم القلب شيوعاً وخطورة في العالم، حيث يُصيب ملايين الأشخاص ويُعد من أبرز العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بالسكتة الدماغية. هذا الاضطراب يحدث عندما يصبح إيقاع ضربات القلب غير منتظم وسريع بشكل غير طبيعي، مما يؤدي إلى ضعف تدفق الدم داخل الأذينين وبالتالي تكوّن جلطات قد تنتقل إلى الدماغ.
في هذا المقال سنتناول بالتفصيل كل ما يخص الرجفان الأذيني: أسبابه، أعراضه، عوامل الخطورة، طرق التشخيص والعلاج، إضافة إلى كيفية تجنّب مضاعفاته الخطيرة وعلى رأسها السكتة الدماغية.

أولاً: ما هو الرجفان الأذيني؟
الرجفان الأذيني هو اضطراب في كهرباء القلب يؤدي إلى انقباض غير منتظم وسريع للأذينين (الحجرتين العلويتين من القلب). في الوضع الطبيعي، ينبض القلب بإيقاع منتظم نتيجة إشارات كهربائية تنشأ من العقدة الجيبية الأذينية، ولكن في حالة الرجفان الأذيني تنشأ إشارات كهربائية عشوائية وغير منظمة، مما يجعل الأذينين يرتجفان بدلاً من الانقباض بكفاءة.
هذا الاضطراب يؤثر مباشرة على تدفق الدم من الأذينين إلى البطينين، ما يزيد من فرصة تجمّع الدم وتكوّن الجلطات التي قد تنتقل إلى الدماغ مسببة السكتة الدماغية.
ثانياً: أنواع الرجفان الأذيني
هناك عدة أشكال من الرجفان الأذيني، وتختلف حسب مدة الاضطراب واستمراره:
الرجفان الأذيني المتقطع (Paroxysmal Atrial Fibrillation)
يظهر بشكل مفاجئ ويستمر من بضع دقائق إلى ساعات أو أيام، ثم يختفي تلقائياً دون علاج.
الرجفان الأذيني المستمر (Persistent Atrial Fibrillation)
يستمر لأكثر من 7 أيام ولا يختفي إلا بالتدخل العلاجي مثل الأدوية أو الصدمات الكهربائية.
الرجفان الأذيني طويل الأمد المستمر (Long-standing Persistent AF)
يستمر لأكثر من سنة ويحتاج غالباً إلى تدخلات طبية معقدة.
الرجفان الأذيني الدائم (Permanent Atrial Fibrillation)
يكون موجوداً بشكل مستمر ولا يستجيب للعلاجات التقليدية، ويصبح التعايش معه عبر الأدوية هو الحل.
ثالثاً: أسباب الرجفان الأذيني
تتعدد أسباب الرجفان الأذيني، وغالباً ما ترتبط بمشاكل في القلب أو عوامل صحية عامة، ومن أبرزها:
ارتفاع ضغط الدم: أحد أهم الأسباب، حيث يسبب ضغطاً على جدار القلب.
أمراض صمامات القلب: مثل تضيق أو ارتجاع الصمامات.
قصور القلب: ضعف قدرة القلب على ضخ الدم يزيد من احتمالية الرجفان.
مرض الشريان التاجي: انسداد الشرايين التي تغذي القلب يؤدي لاضطراب النظم.
فرط نشاط الغدة الدرقية: يؤدي إلى تسارع ضربات القلب وعدم انتظامها.
التقدم في العمر: كلما تقدم الشخص في السن زاد خطر الإصابة.
أمراض الرئة المزمنة: مثل الانسداد الرئوي المزمن.
الإفراط في تناول الكحول أو الكافيين.
البدانة وقلة النشاط البدني.
التوتر النفسي والإجهاد المستمر.
عوامل وراثية: بعض الأشخاص لديهم استعداد جيني.
رابعاً: أعراض الرجفان الأذيني
قد يختلف ظهور الأعراض بين مريض وآخر، فبعض الأشخاص لا يشعرون بأي أعراض ويتم اكتشاف الحالة بالصدفة أثناء فحص روتيني، بينما آخرون يعانون من أعراض واضحة مثل:
خفقان القلب أو الشعور بضربات غير منتظمة.
ضيق التنفس خاصة عند بذل مجهود.
التعب والإرهاق المستمر.
دوخة أو إغماء في بعض الحالات.
ألم أو ضغط في الصدر.
ضعف القدرة على ممارسة النشاطات اليومية.
من المهم ملاحظة أن الأعراض قد تكون متقطعة أو مستمرة، ولا تعكس دائماً درجة خطورة الحالة.
خامساً: مضاعفات الرجفان الأذيني
الرجفان الأذيني ليس مجرد اضطراب في نظم القلب، بل قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، أهمها:
السكتة الدماغية: تحدث نتيجة انتقال جلطة دموية من القلب إلى الدماغ.
قصور القلب: بسبب ضعف ضخ الدم على المدى الطويل.
مشاكل في نوعية الحياة: مثل التعب المزمن وقلة النشاط.
زيادة خطر الوفاة المبكرة في حال إهمال العلاج.
سادساً: تشخيص الرجفان الأذيني
التشخيص يعتمد على التاريخ الطبي والفحص السريري بالإضافة إلى بعض الفحوصات:
تخطيط القلب الكهربائي (ECG): الأداة الأساسية للكشف عن عدم انتظام ضربات القلب.
جهاز هولتر: لمراقبة القلب على مدار 24 – 48 ساعة.
مخطط صدى القلب (Echocardiogram): لتقييم حجم ووظائف حجرات القلب وصماماته.
تحاليل الدم: للكشف عن مشاكل الغدة الدرقية أو غيرها.
اختبارات الجهد: لتقييم استجابة القلب أثناء التمارين.
سابعاً: طرق علاج الرجفان الأذيني
الهدف من العلاج هو إعادة انتظام ضربات القلب، منع تكون الجلطات، وتقليل خطر السكتة الدماغية. وتشمل الطرق:
1. الأدوية
مضادات التخثر (Anticoagulants): مثل الوارفارين أو الأدوية الحديثة (DOACs)، لتقليل خطر الجلطات والسكتة الدماغية.
أدوية التحكم في معدل ضربات القلب: مثل حاصرات بيتا أو حاصرات قنوات الكالسيوم.
أدوية استعادة النظم (Antiarrhythmics): مثل الأميودارون، للمساعدة في عودة ضربات القلب إلى وضعها الطبيعي.
2. الإجراءات الطبية
تقويم نظم القلب الكهربائي (Cardioversion): صدمة كهربائية تعيد ضربات القلب إلى الوضع الطبيعي.
القسطرة الاستئصالية (Catheter Ablation): تدمير الأنسجة المسؤولة عن الإشارات الكهربائية غير المنتظمة.
جراحة المتاهة (Maze Surgery): إنشاء مسارات كهربائية منظمة في الأذينين.
3. تعديل نمط الحياة
ممارسة الرياضة بانتظام.
فقدان الوزن الزائد.
تقليل تناول الكحول والكافيين.
السيطرة على ضغط الدم والسكري.
تجنّب التدخين.
ثامناً: الوقاية من السكتة الدماغية عند مرضى الرجفان الأذيني
الالتزام بتناول أدوية السيولة حسب وصف الطبيب.
متابعة ضغط الدم ومستويات السكر بشكل دوري.
إجراء فحوصات دورية لتقييم عمل القلب.
اتباع نظام غذائي صحي غني بالخضروات والفواكه وقليل الدهون المشبعة.
معالجة أي اضطرابات صحية أخرى مثل الغدة الدرقية أو انقطاع النفس أثناء النوم.
تاسعاً: أسئلة شائعة حول الرجفان الأذيني
هل يمكن أن يشفى الرجفان الأذيني نهائياً؟
قد يختفي في بعض الحالات المؤقتة، لكن في الحالات المزمنة غالباً ما يحتاج المريض إلى علاج مستمر للسيطرة على الأعراض والمضاعفات.
هل الرجفان الأذيني خطير؟
نعم، إذا لم يُعالج فقد يؤدي إلى السكتة الدماغية أو قصور القلب.
هل يؤثر الرجفان الأذيني على الشباب؟
رغم أنه أكثر شيوعاً لدى كبار السن، إلا أنه قد يصيب الشباب خصوصاً عند وجود عوامل خطر مثل فرط نشاط الغدة الدرقية أو الإفراط في تناول المنبهات.
الرجفان الأذيني ليس مجرد خفقان مزعج، بل حالة مرضية تستدعي اهتماماً جدياً لأنها ترتبط بشكل مباشر بزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية والمضاعفات القلبية الأخرى. التشخيص المبكر، الالتزام بالعلاج، وتعديل نمط الحياة هي الركائز الأساسية للسيطرة على هذا الاضطراب.
الوقاية تبدأ من وعي المريض، فاتباع نصائح الطبيب، الالتزام بالأدوية، والاهتمام بالصحة العامة قد يجعل من الرجفان الأذيني حالة قابلة للتعايش دون أن تتحول إلى كارثة صحية.