السكتة الدماغية: الأعراض المبكرة، الأسباب، الأنواع وطرق العلاج والوقاية
تُعتبر السكتة الدماغية من أخطر الحالات الطبية التي تهدد حياة الإنسان وصحته العصبية. فهي تأتي فجأة وغالباً من دون إنذار، وقد تؤدي إلى إعاقات جسدية أو فقدان القدرة على الكلام أو حتى الوفاة إذا لم يتم التدخل الطبي السريع. ولأن الوعي والمعرفة هما الخطوة الأولى للوقاية، فمن المهم أن نتعرف على كل ما يخص هذه الحالة: ما هي السكتة الدماغية؟ ما أعراضها المبكرة؟ ما أسبابها وأنواعها؟ وكيف يمكن علاجها والوقاية منها؟
في هذا المقال المفصل، سنغوص في أعماق الموضوع لنوضح الصورة بشكل كامل، مدعومًا بالحقائق العلمية والنصائح العملية.

ما هي السكتة الدماغية؟
السكتة الدماغية هي حالة طبية تحدث عندما يتوقف تدفق الدم إلى جزء من الدماغ، سواء بسبب انسداد أحد الأوعية الدموية (جلطة) أو بسبب انفجار وعاء دموي (نزيف). الدماغ يحتاج بشكل مستمر إلى الأكسجين والمواد الغذائية التي ينقلها الدم، وأي انقطاع مفاجئ لهذا التدفق يؤدي إلى تلف خلايا الدماغ خلال دقائق معدودة.
ويُعتبر التدخل الطبي العاجل هو العامل الحاسم لإنقاذ حياة المريض وتقليل مضاعفات السكتة. ولهذا السبب يطلق الأطباء مصطلح “الوقت هو الدماغ”، أي أن كل دقيقة تمر دون علاج قد تعني فقدان ملايين الخلايا العصبية.
الأعراض المبكرة للسكتة الدماغية
التعرف على أعراض السكتة الدماغية في وقت مبكر يمكن أن ينقذ حياة الشخص المصاب ويقلل من الإعاقة الدائمة. هناك علامات تحذيرية رئيسية يجب الانتباه لها:
1. ضعف أو تنميل مفاجئ في الوجه أو الذراع أو الساق، خصوصاً في جانب واحد من الجسم.
2. صعوبة مفاجئة في الكلام أو عدم القدرة على الفهم.
3. فقدان الرؤية في إحدى العينين أو كلتيهما.
4. صداع شديد ومفاجئ من دون سبب واضح.
5. دوخة أو فقدان التوازن وصعوبة في المشي.
6. تشوش ذهني مفاجئ أو عدم القدرة على التركيز.
ولتسهيل تذكّر هذه الأعراض، ابتكر الأطباء قاعدة “FAST”:
(Face) F: هل هناك تدلّي في الوجه؟
(Arms)A : هل هناك ضعف أو عدم قدرة على رفع أحد الذراعين؟
(Speech)S : هل الكلام متداخل أو غير مفهوم؟
(Time) T: إذا ظهرت هذه الأعراض، يجب الاتصال بالطوارئ فوراً.
أسباب السكتة الدماغية
تتعدد العوامل التي تؤدي إلى حدوث السكتة الدماغية، بعضها يمكن التحكم به، وبعضها يتعلق بالوراثة أو العمر.
أولاً: عوامل الخطر القابلة للتغيير
1. رتفاع ضغط الدم: السبب الأول والأكثر شيوعاً.
2. أمراض القلب: مثل الرجفان الأذيني أو فشل القلب.
3. داء السكري: يؤدي إلى تلف الأوعية الدموية.
4. التدخين: يزيد من خطر الجلطات والنزيف.
5. السمنة وقلة النشاط البدني: عاملان مهمان في زيادة المخاطر.
6. ارتفاع الكوليسترول: يسبب تصلب الشرايين وانسدادها.
7. الإفراط في تناول الكحول.
ثانياً: عوامل الخطر غير القابلة للتغيير
1. العمر: يزداد الخطر بعد سن 55.
2. الوراثة والتاريخ العائلي.
3. الجنس: الرجال أكثر عرضة قليلاً، لكن النساء غالباً يتعرضن لسكتات أكثر شدة.
أنواع السكتة الدماغية
يمكن تصنيف السكتات الدماغية إلى نوعين رئيسيين:
1. السكتة الدماغية الإقفارية (Ischemic Stroke)
تمثل حوالي 85% من الحالات.
تحدث بسبب جلطة دموية أو انسداد شريان دماغي.
تنقسم إلى نوعين فرعيين:
جلطة خثارية: تتشكل داخل الشريان.
جلطة صمّية: تنتقل من جزء آخر من الجسم (مثل القلب) وتستقر في الدماغ.
2. السكتة الدماغية النزيفية (Hemorrhagic Stroke)
أقل شيوعاً لكنها أكثر خطورة.
تحدث عندما ينفجر وعاء دموي داخل الدماغ.
يمكن أن تكون بسبب ارتفاع ضغط الدم المزمن أو تمدد الأوعية الدموية.
3. النوبات الإقفارية العابرة (TIA)
تُسمى أحياناً “السكتة الصغرى”.
تستمر الأعراض دقائق أو ساعات ثم تختفي.
تعتبر إنذاراً خطيراً لاحتمالية حدوث سكتة كاملة في المستقبل.
تشخيص السكتة الدماغية
يعتمد التشخيص على الفحص السريري للمريض إلى جانب الفحوصات الطبية:
التصوير المقطعي المحوسب (CT Scan): يساعد على تحديد نوع السكتة (إقفارية أم نزيفية).
التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يوفر صوراً دقيقة للدماغ.
الأشعة الصوتية للشرايين السباتية: للكشف عن الانسدادات.
اختبارات الدم: لقياس عوامل التجلط ومستوى السكر والكوليسترول.
طرق علاج السكتة الدماغية
العلاج يختلف حسب نوع السكتة ووقت وصول المريض للمستشفى:
1. علاج السكتة الإقفارية
أدوية إذابة الجلطات (tPA): يجب إعطاؤها خلال 3 – 4 ساعات من ظهور الأعراض.
أدوية مضادة للتجلط مثل الأسبرين.
إجراءات جراحية لإزالة الجلطة باستخدام القسطرة.
2. علاج السكتة النزيفية
السيطرة على النزيف وضغط الدم.
جراحة لإصلاح الأوعية الدموية أو إزالة النزيف.
أدوية لتقليل التورم في الدماغ.
3. إعادة التأهيل بعد السكتة
العلاج الطبيعي: لاستعادة الحركة والتوازن.
العلاج الكلامي: لمشاكل النطق.
العلاج النفسي: لمواجهة الاكتئاب أو القلق بعد الإصابة.
الوقاية من السكتة الدماغية
الوقاية خير من العلاج، ويمكن تقليل خطر الإصابة عبر خطوات عملية:
1. السيطرة على ضغط الدم من خلال المتابعة الدورية.
2. اتباع نظام غذائي صحي قليل الدهون والسكريات.
3. ممارسة الرياضة بانتظام مثل المشي أو السباحة.
4. الإقلاع عن التدخين والكحول.
5. الحفاظ على وزن صحي.
6. متابعة مستويات السكر والكوليسترول.
7. الفحوصات الطبية المنتظمة خاصة لمن لديهم تاريخ عائلي.
السكتة الدماغية عند الشباب
على الرغم من أن السكتة شائعة بين كبار السن، إلا أن الشباب أيضاً قد يتعرضون لها. الأسباب غالباً تشمل:
تعاطي المخدرات أو الكحول.
مشاكل وراثية في الأوعية الدموية.
اضطرابات في تخثر الدم.
إصابات الرأس.
التعايش مع السكتة الدماغية
قد يواجه الناجون من السكتة تحديات طويلة الأمد، مثل:
صعوبة في الحركة أو الكلام.
لاعتماد على الآخرين في الأنشطة اليومية.
مشاكل في الذاكرة والتركيز.
الدعم الأسري والاجتماعي يلعب دوراً محورياً في تحسين جودة حياة المرضى، إلى جانب الاستمرار في برامج إعادة التأهيل.
السكتة الدماغية ليست قدراً محتوماً، بل يمكن الوقاية منها إلى حد كبير عبر أسلوب حياة صحي والانتباه للأعراض المبكرة. التوعية المجتمعية والقدرة على التصرف بسرعة عند ظهور العلامات التحذيرية تمثل خط الدفاع الأول ضد هذه الحالة الخطيرة.
لذلك، إذا لاحظت على نفسك أو أحد أقاربك أعراضاً مثل ضعف مفاجئ أو صعوبة في الكلام، فلا تتردد في طلب المساعدة الطبية فوراً، فالوقت هو الفارق بين الحياة والإعاقة.
